مرّةً أخرى حلّ شهر رمضان ببركاته كلّها وجماليّاته المعنويّة. قبل حلول الشهر المبارك، كان نبيُّ الإسلام المعظّم (صلّى الله عليه وآله) يهيّئ الناسَ لدخول هذا الميدان المهمّ والسامي والمليء بالبركات: «قدْ أقبلَ إليكُم شهرُ اللهِ بالبرَكةِ والرحمةِ»[1]‌...

إذا أردنا تعريفَ شهر رمضان بجملةٍ واحدة، فلا بدّ من القول: إنّه شهر الفرص. هذا الشهر يحمل فرصاً كثيرةً لي ولكم. إذا استطعنا أن نغتنمَ هذه الفرصَ جيّداً، فسنحصل على ذخرٍ عظيمٍ وثمينٍ جدّاً...

قال الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) في خطبته التي أشرنا إليها: «شهرٌ دعيتٌم فيه إلى ضيافةِ الله»، وهذه الجملة جديرةٌ بالتدبّر والتأمّل، إنّها دعوةٌ إلى ضيافة الله. لم يجبر الناسَ جميعاً على الاستفادة من هذه الضيافة، لا! إنّما جعلها فريضة، ولكنّ الخيار بيدنا في أن نستفيد من هذه الضيافة أم لا. بعضهم لا يجدون أصلاً فرصةَ الالتفات إلى هذه الدعوة للضيافة العظيمة؛ إنّ غفلتَهم وانغماسَهم في الأعمال المادّيّة والدنيويّة هي بنحوٍ يجعلهم لا يشعرون بقدوم شهر رمضان وانقضائه، كأن يُدعى شخصٌ ما إلى ضيافةٍ فاخرةٍ ومفعمةٍ بالخير والبركة، ولكن لا تسنح له الفرصة للمشاركة فيها، ويغفل حتّى عن النظر في بطاقة الدعوة، هؤلاء تبقى أيديهم فارغةً تماماً. وبعضهم يُدركون وجودَ هذه الضيافة، لكنّهم لا يذهبون إليها. هؤلاء هم الذين لم يتلطّف بهم الله المتعالي ولم يوفّقهم، مع أنّهم ليس لديهم عذر، فلا يصومون، أو يُحرمون تلاوةَ القرآن أو أدعيةَ شهر رمضان. ثمّة مَن لا يدخل هذه الضيافة ولا يأتي إليها، هؤلاء حسابهم واضح. وثمّة مجموعة كبيرة من الناس المسلمين -من أمثالنا- يدخلون إلى هذه الضيافة، ولكنّ استفادتَنا منها ليست بالمقدار نفسه، فبعضهم يحصل على الاستفادة الكبرى من هذه الفرصة.

(من كلامٍ للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، بتاريخ 14/09/2007م)

[1] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص154.